اخبار عربية ودولية

لغة الجسد.. حديثٌ صامت يكشف ما تخفيه النفوس



أمل محمد أمين

في عالم مزدحم بالكلمات والضوضاء، يبقى هناك صوت لا يُسمع لكنه يُفهم… إنه صوت الجسد. فقبل أن ينطق اللسان، يكون الجسد قد قال الكثير — بنظرة، بحركة يد، بابتسامة أو بانحناءة رأس. وهنا تبدأ لغة الجسد، تلك اللغة الصامتة التي تروي ما تعجز الكلمات عن قوله.

إن هذا الزمن الذي تسوده السرعة، وتغمره وسائل التواصل، جعل الإنسان يبحث عن طرق جديدة لفهم الآخر دون الحاجة إلى الكلمات. وهنا تظهر لغة الجسد، ذلك العلم الذي يثير الجدل بين من يراه حقيقة علمية دقيقة، ومن يعتبره مجرد انطباعات قد تخطئ أكثر مما تصيب، لكن ما هي لغة الجسد؟

لغة الجسد هي علم قراءة الإشارات غير اللفظية التي تصدر عن الإنسان بشكل تلقائي، وتشمل تعبيرات الوجه، وحركات اليدين، ووضعيات الجسد، ونظرات العين، ونبرة الصوت، وحتى طريقة الجلوس أو الوقوف.

ويُقال إن الإنسان يمكن أن يخفي ما في عقله، لكنه لا يستطيع أن يُخفي ما في جسده، فكل حركة لها دلالة، وكل إيماءة لها رسالة.

هي اللغة التي “يتحدث بها الجسد” عندما تصمت الكلمات، وغالباً ما تعبّر بصدق عما يدور داخلنا من مشاعر ونوايا.

ويؤكد علم النفس الحديث أن أكثر من 70% من التواصل بين البشر يتم بطريقة غير لفظية. وتُستخدم لغة الجسد في مجالات كثيرة، مثل التحقيقات الجنائية، والمقابلات الوظيفية، والتفاوض السياسي، وحتى في العلاقات الاجتماعية. فابتسامة بسيطة قد تُرسل رسالة طمأنينة، بينما نظرة متوترة قد تفضح خوفًا أو كذبًا.

لكن.. هل هي دقيقة دائماً؟

رغم أهمية لغة الجسد، إلا أن تفسيرها لا يخلو من المخاطر. فالحركات تختلف من ثقافة إلى أخرى؛ فمثلاً، النظر المباشر في العين يُعد احترامًا في ثقافات، بينما يُعتبر تحدياً في أخرى. كما أن القلق أو التعب قد يغيّر سلوك الشخص، دون أن يعني ذلك أنه يكذب أو يخفي شيئاً.

وقد يصف بعض الخبراء لغة الجسد بأنها فن قراءة الإنسان أكثر من كونها علماً دقيقاً. فهي تتطلب ملاحظة ذكية وسياقاً واضحاً قبل إصدار الحكم. فلا يكفي أن نرى شخصًا يعقد ذراعيه لنقول إنه “منغلق” أو “عدائي”، بل يجب أن نضع الموقف كله في الاعتبار.

ومن أهم أنواع لغة الجسد

أولا: تعبيرات الوجه:

الوجه هو المرآة الأصدق للنفس. إن الابتسامة الصادقة ترفع الخدين وتضيء العينين، بينما الابتسامة المزيفة تقتصر على الشفاه فقط.

ورفع الحاجبان قد يدل على الدهشة.. أما تقطيب الجبين فهو علامة على التركيز أو الغضب، وتجنب النظر المباشر إلى العينين قد يُشير إلى خجل أو قلق أو حتى كذب.

ثانيا: حركات اليدين والذراعين:

فتح اليدين أثناء الحديث يعبّر عن الصراحة والانفتاح. وكذلك تشبيك الذراعين قد يُفهم كعلامة على الدفاعية أو الحذر.

أما تحريك اليدين بسرعة أثناء الكلام يدل غالباً على حماس أو توتر، بينما الهدوء في الإيماءات يعكس ثقة بالنفس.

ثالثا: وضعية الجسد:

الشخص الذي يقف منتصباً برأس مرفوع وكتفين للخلف يبدو واثقاً بنفسه.

أما الانحناء للأمام أثناء الحديث، فقد يدل على اهتمام وإصغاء، بينما الميل إلى الخلف قد يُعبّر عن تحفظ أو رغبة في الابتعاد.

رابعا: نظرات العين:

الاتصال البصري المعتدل علامة على الاهتمام والاحترام، لكن التحديق المفرط قد يُفهم كعدوان أو تحدٍ.

والعين التي تتهرب من النظر المباشر قد تخفي خوفاً أو ارتباكاً.

خامسا: نبرة الصوت:

حتى وإن لم تكن “جسدية” تماماً، فإنها جزء من اللغة غير اللفظية.

وبالتأكيد النبرة الهادئة توحي بالثقة، في حين أن الصوت المرتفع أو المتقطع يكشف عن غضب أو توتر.

ومن الإشارات المهمة التي يجب الانتباه لها

المسافة الشخصية: اقتراب الشخص أكثر من اللازم قد يعني حميمية أو تطفلاً حسب الموقف.

اللمس: المصافحة القوية تدل على الثقة، أما المصافحة المترددة فتعكس ضعفاً أو توتراً.

الإيماءات المتكررة: كتحريك القدمين أو فرك اليدين، تشير غالباً إلى توتر أو قلق.

ومن هذا يتضح أن لغة الجسد ليست خرافة، بل حقيقة مدعومة بالعلم والتجربة، لكنها أيضاً ليست علماً دقيقًا بنسبة مئة في المئة. فهي مثل مرآة مشوشة، تُظهر الملامح لكنها لا تفسر النوايا دائمًا بشكل صحيح.

إنها أداة للفهم، لا للحكم، ووسيلة للتقارب، لا للتجسس على مشاعر الآخرين.

فمن يُتقن قراءتها، يمتلك مفتاحاً لفهم البشر، ومن يُسيء استخدامها، يقع في فخ التسرّع وسوء الظن.

إن لغة الجسد حقيقة موجودة، لكنها ليست مرآة مطلقة للصدق. إنها أداة تساعدنا على الفهم والتواصل بشكل أعمق، لكنها تحتاج إلى حكمة في التفسير ووعي بالاختلافات الإنسانية والثقافية. فالجسد يتحدث، نعم، لكن على من يستمع أن يُحسن الفهم.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى