«الناتو» يعزز قواته قرب الحدود الروسية جوياً وبرياً وسط مخاوف من مواجهة شاملة

يشهد شرق أوروبا في أواخر سبتمبر توتراً متصاعداً بعد أن أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن نشر قوات ومقاتلات إضافية على طول الحدود مع روسيا وبيلاروس. وتصف أوساط متابعة هذه التحركات بأنها أخطر تصعيد عسكري في المنطقة منذ الحرب الباردة، وسط مخاوف من أن يؤدي التراكم العسكري إلى مواجهة شاملة غير مقصودة.
بولندا في قلب المواجهة
بولندا بدت الأكثر استنفاراً، إذ دفعت بحوالي 40 ألف جندي إلى حدودها الشرقية مع بيلاروس والمقاطعة الروسية كالينينغراد. وأكدت وارسو أنها أغلقت جميع المعابر الحدودية وأوقفت حركة الشحن والركاب. هذه الخطوة جاءت، بحسب المسؤولين البولنديين، ردّاً على ما وصفوه بتهديدات مباشرة مصدرها المناورات الروسية–البيلاروسية «زاباد 2025» التي جرت منتصف الشهر.
مشاركة جوية وبحرية واسعة
الناتو عزز وجوده العسكري عبر إرسال مقاتلات متعددة الجنسيات: فرنسا نشرت ثلاث طائرات «رافال»، ألمانيا أرسلت أربع مقاتلات «يوروفايتر»، والدنمارك شاركت بطائرتين «إف-16» إلى جانب فرقاطة متخصصة في الدفاع الجوي. كما أعلنت هولندا تسريع نشر منظومات باتريوت في بولندا، بينما أرسلت التشيك وحدة مروحيات لدعم الدفاعات الجوية.
أزمة المسيّرات موضع خلاف
أحد أسباب التصعيد كان حادثة المسيّرات الروسية التي قالت بولندا إنها دخلت مجالها الجوي في وقت المناورات، حيث أشارت وارسو إلى أن 19 مسيّرة عبرت أجواءها، بعضها قادم من بيلاروس، مؤكدة أنها أسقطت عدداً منها بينما سقطت أخرى في مناطق سكنية.روسيا نفت هذه الرواية، وقالت إن المدى العملياتي للمسيّرات المستخدمة لا يسمح بوصولها إلى الأراضي البولندية، ووصفت الاتهامات بأنها “مبالغ فيها”. بيلاروس بدورها قالت إن المسيّرات ربما تكون انحرفت بسبب تشويش إلكتروني، بينما اتهمت كييف مينسك بأنها سمحت للطائرات بدون طيار باستخدام مجالها الجوي.
المناورات الروسية–البيلاروسية
مناورات «زاباد» تُجرى كل أربع سنوات، وتؤكد موسكو أنها تدريبات دفاعية بحتة تهدف إلى اختبار القدرة على حماية الحدود والتنسيق مع بيلاروس في مواجهة أي تهديد محتمل. وزارة الدفاع الروسية أوضحت أن «زاباد 2025» جرى على مرحلتين: الأولى دفاعية والثانية هجومية مضادة لاستعادة الأراضي المفترضة.من جانبها، أعلنت بيلاروس أنها استعرضت خلال المناورات أنظمة صاروخية بينها «أوريشنك»، وأكدت أنها تستضيف أسلحة نووية تكتيكية روسية منذ اتفاق وقع عام 2023.
ذاكرة «زاباد 2021»
التحركات الحالية أعادت إلى الأذهان مناورات «زاباد 2021»، التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا بعدة أشهر. حينها أعلنت موسكو مشاركة نحو 12 ألف جندي، لكن تقديرات الناتو أشارت إلى وجود أكثر من 200 ألف عنصر في بيلاروس، استُخدم بعضهم لاحقاً في الهجوم على أوكرانيا عبر الأراضي البيلاروسية. هذه الخلفية جعلت من «زاباد 2025» حدثاً يحظى بترقب واسع داخل أوروبا وخارجها.
مخاوف أوروبية وأميركية
على الرغم من تأكيد الناتو أن انتشاره هدفه ردع أي تهديد محتمل، يحذر محللون من أن الحشد العسكري المتبادل قد يزيد من فرص وقوع حوادث حدودية أو اشتباكات غير مقصودة. وفي الأمم المتحدة، عبّرت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية عن دعمها لحق بولندا في حماية أجوائها، فيما دعت موسكو إلى “خفض التوتر” وحمّلت الغرب مسؤولية “تأجيج الأزمة”.
مشهد مفتوح على الاحتمالات
مع انتهاء «زاباد 2025» واستمرار التعزيزات العسكرية على طرفي الحدود، يظل المشهد الأوروبي مفتوحاً على احتمالات متعددة: من استمرار التوتر العسكري البارد، إلى تصعيد ميداني قد يجر المنطقة إلى صدام مباشر. وفي ظل غياب قنوات تفاوض فاعلة بين روسيا وحلف الناتو، يبقى القلق الأكبر هو أن يؤدي سوء تقدير أو خطأ عسكري إلى اندلاع مواجهة واسعة النطاق في قلب القارة الأوروبية.