رهبة التغيير | صحيفة الوطن

الخوف من التغيير ليس وليد اللحظة، بل هو ظل قديماً يرافق الإنسان أينما حل. الغريب أن هذا الخوف لا يتجلى فقط أمام الأزمات أو التحولات الكبرى، بل حتى أمام أبسط التغييرات الإيجابية التي من شأنها أن تجعل حياتنا أكثر سلاسة. كثيرون يعيشون أسرى لما اعتادوا عليه، وكأنهم يخشون أن يمدوا أيديهم إلى ضوء قد يبدد عتمتهم.
ومن يتأمل رحلة الإنسان منذ بداياته يكتشف أن التغيير كان دائماً هو البوابة إلى الأفضل. فالطفل الذي ينتقل من مرحلة الحبو إلى المشي، ثم إلى المدرسة، يعيش سلسلة متتابعة من التحولات التي تصنع نموه وتطوره. وفي سنوات الدراسة، تتغير المراحل وتتبدل المناهج والصفوف والمعلمون، لكننا نراها تغييرات طبيعية ومطلوبة، لأنها تبني شخصية أكثر نضجاً واستعداداً للحياة. ومع ذلك، ما أن يكبر الإنسان حتى يبدأ بالخشية من أي تحول جديد، وكأن التغيير صار مرادفاً للخطر بدلاً من أن يبقى كما كان في بداياته: خطوة نحو النضج والارتقاء.
في بيئة العمل مثلاً، لو أن كل قائد أو مدير فكر أن يضيف لمسة صغيرة في تفاصيل يومية لطاقمه، مساحة أوسع للراحة، ساعات مرنة، أو حتى إعادة ترتيب البيئة المحيطة بهم، لشعر الموظفون بقدر أكبر من الأمان الوظيفي والانتماء. لكن الواقع يكشف أن البعض يفسر أي تغيير على أنه تهديد، فيرتبك الموظف بدل أن يحتضن الفرصة، ويتوجس من المجهول بدل أن يستشعر الطمأنينة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، الصورة ليست بعيدة. هناك أشخاص يرفضون تغيير أنماط حياتهم حتى وإن كانوا يعيشون في دوامة رتيبة تستنزفهم. تجدهم متمسكين بما هو قائم، يخشون الانتقال إلى بيت جديد، أو تجربة عمل مختلف، أو حتى الانفتاح على علاقة جديدة. ليس لأن التغيير سيضرهم، بل لأن المألوف يمنحهم شعوراً زائفاً بالأمان، واللا مألوف يرعبهم وإن كان يحمل بين طياته خلاصهم. وربما أجمل ما يخفف رهبة التغيير، أن الله سبحانه وتعالى لا يترك عباده دون أمل، فهو دائماً يفتح لهم أبواب التفاؤل مهما كانت الظروف قاسية. بعض النساء مثلًا يعانين من العنف والقيود، لكن مع كل ألم يطل أفق جديد، ومع كل ظلمة يتسلل نور يحمل وعداً بحياة أكرم وأجمل. فالتغيير الإيجابي ليس فقط قراراً بشرياً، بل هو أيضاً عطية إلهية تُزرع في القلوب لتنهض من جديد.
علم النفس يصف هذه الظاهرة بـ«التحيز للوضع القائم»، حيث يفضل الإنسان البقاء في ما يعرفه على مواجهة المجهول. إنها مقاومة التغيير الإيجابي، التي تجعلنا نؤجل قرارات مصيرية، ونبقى أسرى للماضي حتى ونحن نحلم بالمستقبل.
وبصراحة.. الحقيقة أن كل تحول عظيم في حياة الأفراد والمجتمعات بدأ بخطوة جريئة نحو المجهول. لم يكن الضوء يوماً تهديداً للعين، بل هو ما يجعلنا نرى الأشياء بوضوح. التغيير ليس خطراً كما يوهمنا الخوف، بل هو فرصة قد لا تتكرر، شرط أن نملك الشجاعة للقبول به.