كيف تضع حدوداً نفسية لتحمي نفسك من الاستنزاف العاطفي

يمر في مشوار الحياة أشخاص يقتحمون خصوصيتنا بطرق مختلفة، يتدخلون في تفاصيل لا تعنيهم، يسألوننا عن ماذا نحب وماذا نكره، وكم نصرف وكم ندّخر، بل وحتى أين نذهب ومع من نقضي أوقاتنا. ومع مرور الوقت يتحول هذا الفضول إلى ضغط وإلحاح يتركنا في حالة من الاستنزاف العاطفي، وكأن حياتنا باتت كتاباً مفتوحاً للآخرين.
مثل هذه الممارسات قد تستغل مشاعرنا بالذنب أو خوفنا من فقدان العلاقة، فيجعلنا نلبي رغبات لا تعبر عن إرادتنا. لذا ينصح علماء النفس بالتعامل مع هذه المشكلة عن طريق وضع «الحدود النفسية» psychological boundaries . وتستخدم في جلسات الإرشاد النفسي للأشخاص الذين يعانون من التوتر النفسي والاكتئاب بسبب إحساسهم بالضياع وكأنهم ورقة في مهب الريح بسبب انتهاك خصوصياتهم فيشعرون بأنهم مسلوبو الإرادة يستجيبون لمطالب الآخرين الذين لايحترمون حدودهم.
وتُعرَّف الحدود النفسية بأنها «الخطوط غير المرئية التي يضعها الفرد بين ذاته والآخرين، والتي تحدد المسافة العاطفية والفكرية والجسدية التي يراها مناسبة». هذه الحدود ليست جدراناً صمّاء ولا أسواراً من إسمنت، بل هي بوابات يختار الإنسان متى يفتحها، وكيف، ولمن. ومن خلالها نحمي مواردنا الداخلية – الوقت والطاقة والخصوصية – من الانتهاك أو الاستنزاف.
المحافظة على هذه الحدود تتطلب وضوحاً وهدوءاً في التعبير. وأبسط الطرق لذلك أن نتعلم قول كلمة «لا» بصدق ودون شعور بالذنب، فهي تعيد إلينا السيطرة على اختياراتنا، وتمنع الآخرين من فرض ما لا نريده. وهناك أسلوب آخر لا يقل أهمية، وهو تأكيد الذات باستخدام «رسالة الأنا» التي تحمل معنى تحمل مسؤولية مشاعرك وحدك؛ كأن نقول مثلاً: «أنا أشعر بالانزعاج عندما يُطلب مني أن أقوم بهذا الشيء بعد يوم عمل مرهق، أريد أن أرتاح قليلاً». بدلاً من استخدام رسالة الأنت التي تحمل معنى لوم الآخر مثل قول « أنت تحملني فوق طاقتي، اتركني وحدي». بهذه الطريقة نوضح مشاعرنا وحدودنا دون إثارة دفاعية الطرف الآخر.
وشكل أساسي آخر من وضع الحدود النفسية هو إدراك أهمية الموازنة بين متطلبات العمل وحاجاتنا الشخصية. فالانغماس التام في المسؤوليات المهنية قد يسرق طاقتنا، بينما إغفال احتياجاتنا الذاتية يتركنا منهكين وعرضة للضغوط النفسية المتراكمة. لذا من المهم تخصيص وقتٍ للعمل بتركيز، يقابله وقت للرعاية الذاتية، كالراحة أو ممارسة الرياضة أو قضاء أوقات ممتعة مع من نحب، يعيد إلينا التوازن، ويحمي عافيتنا النفسية.
وحين نتقن رسم هذه الحدود ونعي قيمتها، نصبح قادرين على حماية مساحتنا الداخلية من التدخل والعبث. فحياتنا أشبه بحديقة جميلة، لا تزدهر ولا تبقى آمنة إلا إذا كانت محاطة بأسوار واضحة، تمنع الآخرين من اقتحامها والعبث فيها.
* أستاذة جامعية في علم النفس