اخبار عربية ودولية

مدبولي: ضوابط شرعية وتيسيرات عملية لحج ذوي الإعاقة



سماهر سيف اليزل

قال الخبير والاستشاري في التربية الخاصة ومدير مركز معاً للتربية الخاصة أسامة مدبولي إن تطبيق شروط التكليف الشرعي على ذوي الإعاقة يختلف باختلاف نوع الإعاقة وشدتها، خاصة فيما يتعلق بشرط العقل، فالشريعة الإسلامية تميّز بوضوح بين الإعاقات الذهنية والإعاقات الجسدية أو الحسية في تحديد وجوب الحج، موضحاً أن هناك ضوابط شرعية وتيسيرات عملية لحج ذوي الإعاقة من بينها تحسين البنية التحتية وتجهيز الكوادر المتخصّصة.

وأضاف أن «الأفراد الذين فقدوا الأهلية العقلية أو من ليس لهم إدراك كامل أو من فقدوا قدرتهم على التمييز، مثل حالات التوحد الشديد أو الإعاقة الذهنية الذي يؤدي إلى فقدان الوعي، لا يجب عليهم الحج إطلاقاً، وذلك لأنهم «غير مخاطبين بأصول الشريعة».

هذا الحكم مستمد من الحديث النبوي الشريف: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يشب». هذا يعني أن غياب العقل السليم يرفع عن الشخص التكليف الشرعي بالكامل، وبالتالي لا ينطبق عليه وجوب الحج».

وتابع أنه «في المقابل، فإن الأفراد ذوي الإعاقات الجسدية أو الحسية (مثل الإعاقة الحركية، البصرية، أو السمعية) يظلون مكلفين بالحج إذا كانوا بالغين عاقلين. إعاقتهم لا تسقط عنهم الوجوب، بل قد تستدعي تكييفاً في طريقة الأداء أو اللجوء إلى النيابة.

على سبيل المثال، إذا كان المعاق جسدياً قادراً على أداء المناسك بنفسه، حتى لو بمعونة أو باستخدام كرسي متحرك، فإن الحج واجب عليه. أما بالنسبة للصم والبكم، فإنهم مكلفون بالحج ما داموا بالغين عاقلين، ويجب عليهم أداء المناسك قدر استطاعتهم.

هذا التمييز الدقيق في تطبيق التكليف يعكس فهماً عميقاً لمقاصد الشريعة التي تهدف إلى العدل والتيسير».

وأوضح أن «هذا النهج المتمايز يتطلب تقييماً دقيقاً لنوع وشدة الإعاقة، خاصة فيما يتعلق بالقدرات المعرفية. فمجرد تصنيف شخص ما بأنه «معاق» لا يكفي لتحديد حكم الحج عليه. بل يتطلب الأمر تقريراً طبياً يوضح نوع الإعاقة وقدرة الشخص على أداء الحج.

هذا يضمن ألا يُحمّل الأفراد أعباءً لا يطيقونها، وفي الوقت نفسه ألا يُحرموا من فرصة أداء فريضة عظيمة يمكنهم القيام بها بوسائل ميسرة. هذا التوجه يتوافق مع مبادئ الشريعة التي لا تكلف نفساً إلا وسعها، وتؤكد على أن العبادات تهدف إلى تقريب العبد من ربه، حتى مع وجود تحديات جسدية أو حسية».

وأكد مدبولي أن أحكام الحج والتيسيرات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة تبرهن على سماحة الشريعة الإسلامية ومرونتها، وحرصها على تيسير العبادات لجميع المكلفين بما يتناسب مع قدراتهم وظروفهم.

فالحج ليس مجرد رحلة جسدية تتطلب قدرات بدنية كاملة، بل هو رحلة دينية عميقة يمكن تحقيقها بأشكال مختلفة لمن لديهم قيود، من خلال الرخص الشرعية والتسهيلات العملية. هذا الفهم الشامل يرسخ مبدأ أن العبادة في الإسلام تهدف إلى التقرب إلى الله، وأنها لا تُعطل بسبب العجز، بل تُيسر وتُكيّف.

وبيّن مدبولي أن تحقيق تجربة حج شاملة وميسرة لذوي الاحتياجات الخاصة يتطلب تضافر الجهود المستمرة، والالتزام بمبادئ الشريعة السمحة، والاستفادة من التطورات الحديثة في مجال الخدمات والتكنولوجيا. بذلك، يمكن ضمان أن تكون فريضة الحج رحلة دينية مباركة ومتاحة للجميع، دون تمييز.

واستعرض بعض التوصيات التي تعزز تجربة الحج لذوي الاحتياجات الخاصة:

* تحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية:

– تطوير وتخصيص شركات نقل مجهزة بالكامل لذوي الاحتياجات الخاصة، مع ضمان توافرها وسهولة الوصول إليها في جميع مراحل الرحلة، من المطار إلى المشاعر المقدسة.

– مواصلة تأهيل وتكييف المزيد من المرافق في المشاعر المقدسة والفنادق لتكون صديقة لذوي الإعاقة، مع التركيز على سهولة الحركة والوصول إلى جميع الخدمات.

* تعزيز الكوادر البشرية المتخصصة:

– زيادة عدد المرافقين والمرشدين المدربين والمتخصصين في التعامل مع مختلف الإعاقات، بما في ذلك توفير مترجمي لغة الإشارة ومرشدين للمكفوفين، لتقديم مساعدة شخصية ودينية فعّالة.

– توفير الرعاية الطبية المتخصصة وسيارات الإسعاف المجهزة بشكل كافٍ داخل المشاعر المقدسة وفي أماكن الإقامة لضمان سلامة الحجاج.

* تطوير التنسيق وجمع البيانات:

– إلزام مكاتب شؤون الحج بتزويد وزارة الحج والعمرة بأعداد دقيقة ومفصلة للحجاج من ذوي الإعاقة في وقت مبكر جداً، لتمكين التخطيط الأمثل وتوفير الخدمات المخصصة لهم بشكل استباقي.

– تعزيز التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية ومقدمي الخدمات لتقديم منظومة متكاملة وغير منقوصة من الخدمات.

* الاستفادة من التقنية والوعي:

– تطوير التطبيقات الرقمية لتقديم معلومات وإرشادات ميسرة للحجاج ذوي الاحتياجات الخاصة، مع التركيز على سهولة الاستخدام وتوفير خيارات متعددة (صوتية، مرئية، بلغة برايل، بلغة الإشارة).

– تكثيف برامج التوعية والتدريب لجميع العاملين في خدمة الحجاج، لرفع مستوى فهمهم لاحتياجات ذوي الإعاقة وكيفية التعامل معهم باحترام وفاعلية.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى