وزراء الأردن وألمانيا والمملكة المتحدة يتفقون على ضرورة تطبيق حل الدولتين


أيمن شكل
فاديفول: ألمانيا تريد تفويضاً واضحاً لمهمة قوة الاستقرار في غزة
الصفدي: استمرار القتل والتجويع يزيد الكراهية ويمحو الإنسانية
إيفيت كوبر: ضرورة الحفاظ على الزخم لتحقيق سلام دائم
اتفق المتحدثون في الجلسة الأولى من ثاني أيام «حوار المنامة» التي جاءت تحت عنوان «مستقبل حوكمة الأمن العالمي»، على ضرورة تطبيق حل الدولتين والوقف الدائم لإطلاق النار في غزة، باعتباره السبيل الوحيد لضمان الأمن والحوكمة الدولية، مشددين على ضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية دون شروط، ومساندة السلطة الفلسطينية، فيما حذّرت وزيرة الدولة للخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة البارونة إيفيت كوبر، خلال الجلسة، من أن السودان يعيش «أكبر أزمة إنسانية في القرن»، وسط تصاعد القتل والتجويع والاغتصاب ومعاناة النساء والأطفال، مشيرة إلى تخصيص المملكة المتحدة 5 ملايين جنيه إضافية لدعم السودان إنسانياً، ودعت إلى جهد دولي جديد لإنهاء الحرب عبر وقف إطلاق النار بدعم داخلي وخارجي.
وفي كلمته أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين بالمملكة الأردنية الهاشمية أيمن الصفدي أن «حوار المنامة» مثل محطة مهمة لإجراء محادثات مفيدة جداً وصريحة ومفتوحة على مدى سنوات عديدة، معرباً عن شكره لجلالة الملك المعظم وسمو ولي العهد رئيس الوزراء لاستضافة الأردن في هذا الحدث السنوي المهم.
وأشار الصفدي إلى مدى ترابط الحوكمة بالأمن وتأثيرهما العالمي في مواجهة الصراعات وعواقبها على العالم، وقال: من الضروري النظر إلى التحديات التي نواجهها من منظور واسع بأننا جميعاً سنتأثر بأي تحديات أمنية تظهر في أي جزء من عالمنا، ومن الواضح أن الأمن هو مفتاح الحوكمة، ولذلك يجب النظر إلى الأمن بمعناه الشامل، ليس فقط الأمن العسكري الصارم، ولكن أيضاً الأمن الناعم الذي يركز على التحديات الأخرى التي تقوض (الأمن) بشكل واضح.
وشدد الصفدي على أن الحوكمة السليمة لن تتحقق في ظل التحديات الأمنية الهائلة وغياب الأمن الذي يؤثر على قدرتنا على وضع هياكل للحوكمة يمكن أن تحقق نتائج تضمن الاستقرار والازدهار للمنطقة بواقعية، ونوه بأن التحدي الأكبر الذي ما زال العالم يواجهه هو غزة، وقال: «لحسن الحظ، لدينا أخيراً وقف لإطلاق النار، وقد تطلب الأمر تدخل الرئيس ترامب بنفسه، أولويتنا الآن هي التأكد من تثبيت وقف إطلاق النار، والالتزام به بجميع مكوناته».
وأوضح الصفدي أن «الأولوية للجميع كانت إنهاء إراقة الدماء، لأن استمرار القتل والمذبحة لن يؤدي إلى أي شيء سوى المزيد من الدمار والمزيد من القتل والمزيد من الكراهية والمزيد من تجريد الإنسانية، كما أن الكارثة الإنسانية التي كانت تتعمق في غزة بدأت تأخذ أبعاداً أكبر، حيث كان الناس يتضورون جوعاً، والأطفال يموتون بسبب نقص حليب الأطفال ونقص الطعام، وهو أمر لا يطاق بالنسبة لنا جميعاً، وأكد أن الأولوية للجميع اليوم هي وقف المجاعة، والسماح للمساعدات بالدخول، وإنهاء الظروف التي كانت ستؤدي حتماً إلى تهجير الفلسطينيين، ومن ثم الحديث عن السياسة».
وقال: «إن ضمان الأمن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، هو الخطوة التالية الرئيسية التي يجب أن نعمل جميعاً من أجلها، ونحن جميعاً في المجموعة العربية والإسلامية، جنباً إلى جنب مع شركائنا في أوروبا وأيضاً مع الولايات المتحدة، ولذلك فإن الاقتراح الذي قدمه الرئيس ترامب، فتح الباب للمضي قدماً نحو مستقبل أفضل، ودعا لترجمة هذا الاقتراح إلى أفعال، وخطط، وخطوات، وإجراءات تضمن الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين».
وشدد الصفدي على ضرورة أن تكون هناك شرطة فلسطينية مسؤولة عن أمن الفلسطينيين، ودعمها من قوة استقرار دولية قادرة على أن تكون فعالة وتنجز المهمة بمنحها تفويضاً من مجلس الأمن، والعمل على تفاصيل التنسيق بين القوة الدولية والقوات الفلسطينية، التي يجب أن تكون مسؤولة عن الأمن، ونحن مستعدون لتدريب الشرطة الفلسطينية.
وأكد الصفدي على أن الوجود الإسرائيلي في غزة يعتبر أمراً شائكاً وتحدياً، وطالب بجدول لانسحاب القوات الإسرائيلية، لافتاً إلى أن وجود القوات الإسرائيلية فوق رؤوس الشرطة الفلسطينية، سيخلق مشاكل، ويجب التفكير في آلية فض الاشتباك. وفي سياق محور الحوكمة شدد الصفدي على أهمية أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم، وقال: «أعتقد، مع كل الاحترام، لن ينجح الأمر بجلب أشخاص من خارج المنطقة، ولهذا السبب يدور النقاش الآن حول لجنة فلسطينية غير مسيسة، ومرتبطة بالسلطة الفلسطينية، والتأكد من أن غزة تظل جزءاً من (دولة) فلسطينية موحدة، لأننا جميعاً في العالم نتفق على أن حل الدولتين هو المسار الوحيد للسلام العادل والدائم».
كما أكد أهمية خلق أفق سياسي يعيد الأمل والثقة في جدوى السلام ويقنع الناس الذين ملأتهم الكراهية، وقال: «فقط إذا أعدنا الأمل، وبدأنا نؤمن بجدوى عملية السلام التي ستحقق مستقبلاً من السلام، يضمن حقوق الفلسطينيين ويمنح إسرائيل أيضاً الحق في الأمن والقبول، فإن هذا هو السبيل الوحيد التي نضمن بها الأمن والحوكمة الدولية ونضمن بها ألا يتأثر العالم بأسره مرة أخرى بما سيحدث في منطقتنا من العالم».
وحول ما وصفها بالبؤرة الساخنة الثانية وهي سوريا، وصف الصفدي ما حدث بقصة نجاح يجب أن تستمر بمساعدة الحكومة السورية في جهودها لإعادة بناء الدولة على أسس تضمن أمنها وسلامة أراضيها، لأن العواقب العالمية لسقوط سوريا في الفوضى ستكون هائلة للغاية، من حيث الإرهاب والمخدرات والهجرة، وطالب بوقف التدخل الإسرائيلي في سوريا، ومواصلة زعزعة استقرار البلاد.
ألمانيا: مستعدون لدعم سوريا
وفي كلمته أشار وزير خارجية ألمانيا د. يوهان فاديفول إلى زيارته لسوريا قبل وصوله إلى البحرين، لافتاً إلى أنه سمع عن دمشق بأنها جنة إلا أن ما رآه هناك لم يكن إلا أنقاض وركام حرب أهلية شنها نظام قاتل ضد شعبه، لكنه أكد على وجود فرصة للمصالحة الاجتماعية ولإعادة الإعمار الاقتصادي، على الرغم من صعوبتها، وأوضح أن العملية السياسية في سوريا بحاجة للشمولية والتشاركية وحماية الأقليات منوها بأن ألمانيا مستعدة لدعم سوريا.
ولفت فاديفول إلى التقدم الحاصل في غزة، وما يؤشر له من مستقبل سلمي ومزدهر في المنطقة، معرباً عن امتنانه للرئيس ترامب لالتزامه وللتوصل إلى خطة من 20 نقطة لوقف إطلاق النار في غزة، كما عبر عن امتنانه للشركاء من الدول العربية لجهودهم وما تم تحقيقه من الخطة، وقال: «لدينا جميعاً رؤية إيجابية للمستقبل، يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون في دولتين جنباً إلى جنب في سلام، وحكومتنا تدعم هذه الرؤية بشكل كامل».
وأضاف وزير الخارجية الألماني: «لكي تنجح هذه المهمة، يجب اتخاذ ثلاث خطوات رئيسة، أولها زيادة وصول المساعدات الإنسانية، وهذا أمر أثيره باستمرار مع نظرائي الإسرائيليين، وثانيها، إيجاد قوة الاستقرار الدولية في غزة على أساس واضح من القانون الدولي باعتباره أمراً ذا أهمية قصوى للدول التي قد تكون مستعدة لإرسال قوات إلى غزة، وألمانيا أيضاً تريد أن ترى تفويضاً واضحاً لهذه المهمة، وثالثها، الضغط على من يعملون ضد هذه الرؤية وعدم الاستقرار وضمان عدم نجاح معارضي السلام».
وأكد أن ما حدث في غزة من تطور واستقرار كان نتيجة اصطفاف القوى الدولية وهو ما ستواصل ألمانيا العمل للتأكد من حدوثه ومعالجة التحديات الأمنية الملحة الأخرى مثل النزاع الروسي الأوكراني.
بدورها أكدت وزيرة الدولة للخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، البارونة إيفيت كوبر أن «حوار المنامة» شكل منذ انطلاقته فرصة مهمة لمناقشة حلول القضايا الإقليمية ذات التأثير العالمي، مثل الصراع في سوريا، والجهود للحد من البرنامج النووي الإيراني، والحرب في غزة، ومكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني.
وقالت إنّ التحديات الأمنية باتت أكثر ترابطاً من أي وقت مضى، مستشهدة بالهجمات على الملاحة في البحر الأحمر وتأثيرها على التجارة العالمية، والنزاع الروسي الأوكراني، والأزمة المتصاعدة في السودان ذات التداعيات الإقليمية والدولية الواسعة، حيث تتقاطع الصراعات الإقليمية مع الأمن الدولي، لتبقى الحاجة إلى التعاون الدولي ضرورية لتحقيق الأمن والسلام المنشود.
وحول الوضع في غزة، أشارت إلى أنّ وقف إطلاق النار المستمر منذ قرابة شهر قد جاء بعد عامين من المعاناة التي زعزعت استقرار العالم، ووفّر الإفراج عن عدد من الرهائن وإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية، ومهّد لوقف إطلاق نار لم يكن متوقعاً على نطاق واسع، مثمنة جهود الرئيس ترامب لتحقيق اتفاق وقف إطلاق النار، بالتعاون مع قطر ومصر وتركيا، وبدعم أطراف عديدة من بينها الأردن والسعودية والجامعة العربية وشركاء أوروبيون ودوليون، ضمن مسار دبلوماسي شمل إعلان نيويورك، واعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وتقديم مقترحات دولية لخطة سلام شاملة.
ونوهت إيفيت كوبر بأهمية الخطة ذات النقاط العشرين التي قادتها الولايات المتحدة، مؤكدة أن الوضع لا يزال هشاً، مع استمرار بعض الهجمات وتحقيق تقدم محدود في تدفق المساعدات وبقاء عدد من الرهائن، داعية جميع الأطراف إلى الالتزام بتعهداتها، وطالبت بضرورة الحفاظ على الزخم لتحقيق سلام دائم وليس مجرد وقف إطلاق النار، وأن لا تقع غزة في منطقة «لا حرب ولا سلام».
كما أكدت على أن المساعدات الإنسانية لا يجب أن تكون مشروطة، وضرورة إحراز تقدم في مقترحات الحوكمة لغزة خالية من «حماس» وبمساندة سلطة فلسطينية، وترتيبات أمنية من خلال قوة استقرار وشرطة فلسطينية، وقالت إن المملكة المتحدة على استعداد لتقديم الدعم بما لديها من خبرة في التنسيق المدني العسكري ونزع السلاح والتخطيط لإعادة الإعمار، وتحفيز التمويل الخاص.
وشددت على أن تحقيق سلام عادل ودائم لن يكون إلا من خلال حل الدولتين، مع الاعتراف بأن المرحلة المقبلة أكثر صعوبة، مؤكدة رفض التراجع أو الانسحاب من جهود السلام بعد التقدم المحرز.
السودان أكبر أزمة إنسانية في القرن
وتطرقت إيفيت إلى الوضع السوداني ووصفته باليائس، محذّرة من الفظائع التي تحدث بقتل وتجويع واغتصاب مع معاناة النساء والأطفال، في أكبر أزمة إنسانية بهذا القرن، وانتقدت تجاهل المجتمع الدولي للصراع.
وكشفت عن تقديم المملكة المتحدة 5 ملايين جنيه إضافية لدعم السودان إنسانياً، تضاف إلى 120 مليون جنيه خصصت هذا العام، مشددة على أن المساعدات لا تُنهي الأزمة، ولكن يجب وقف إطلاق النار، ودعت إلى جهد دولي جديد لإنهاء الحرب في السودان عبر وقف النزاع بدعم داخلي وخارجي.
وقالت إن التعاون الدولي كان وسيظل عنصراً حاسماً في مواجهة هذه الأزمات، ويجب تحديث بنية التعاون العالمي لتكون قادرة على تحقيق الأمن والسلام عند الحاجة، وأضافت: «يجب الاستمرار في تحديث الهيكل الأمني الدولي لضمان الاستجابة الفعّالة للتحديات».




