مدبولي: دعم التواصل لدى أطفال التوحد غير الناطقين يتطلب استراتيجيات شاملة

أكد الخبير واستشاري التربية الخاصة أسامة مدبولي، أن اضطراب طيف التوحد يُعد اضطراباً نمائياً يؤثر على جوانب متعددة من نمو الطفل، ويُعد التواصل من أبرز التحديات التي يواجهها الأفراد من ذوي هذا الاضطراب، خاصة الأطفال غير الناطقين. وأوضح أن فهم الأسباب الكامنة وراء صعوبات الكلام وكيفية دعم هؤلاء الأطفال أمر بالغ الأهمية لتحسين جودة حياتهم وتمكينهم من التعبير عن أنفسهم والمشاركة بفعالية في محيطهم.
أسباب صعوبات الكلام
وأشار مدبولي إلى أن صعوبات الكلام لدى بعض الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد ليست ناتجة عن سبب واحد، بل هي نتيجة لتفاعل عدة عوامل عصبية ونمائية، منها:1. اختلافات في البنية العصبية.2. صعوبة معالجة المعلومات الحسية.3. التحديات في الانتباه المشترك والتفاعل الاجتماعي.4. صعوبة فهم واستخدام الإشارات غير اللفظية.5. التأخر العام في التطور النمائي.6. استخدام أنماط تواصل مختلفة.استراتيجيات دعم التواصل للأطفال غير الناطقينوأكد مدبولي أن مساعدة الأطفال غير الناطقين على التواصل تتطلب نهجاً شاملاً وفردياً يركز على بناء جسور التواصل وتوفير أدوات واستراتيجيات تتيح لهم التعبير عن أنفسهم. وأوضح أن الهدف ليس دائماً جعل الطفل يتكلم منطوقًا، بل تمكينه من التواصل الفعال بأي وسيلة ممكنة.
وأبرز تلك الأدوات:1. التقييم المتخصص كأساس: تبدأ الرحلة بتقييم دقيق وشامل لحالة الطفل وقدراته من قبل فريق متعدد التخصصات، يحدد هذا التقييم نقاط القوة لدى الطفل، وأساليب تعلمه المفضلة، وأشكال التواصل التي يستخدمها حالياً، والتحديات التي يواجهها، بناءً على هذا التقييم، تُوضع خطة تدخل فردية تتناسب مع احتياجات الطفل وأسرته.2. تبني أنظمة التواصل البديلة: تُعد أنظمة التواصل البديلة حجر الزاوية في دعم التواصل لدى الأطفال غير المتكلمين، تفتح هذه الأنظمة آفاقاً جديدة للتعبير، وتقلل من الإحباط، تشمل هذه الأنظمة:o علاج النطق واللغة: يركز أخصائي النطق واللغة على تطوير مهارات ما قبل اللغة (مثل التواصل البصري، الانتباه المشترك، التقليد)، وتعليم استخدام أنظمة الـ AAC المختلفة، وبناء فهم اللغة واستخدامها في سياقات متنوعة، قد يعملون أيضاً على تطوير أي قدرات نطق موجودة.3. تحليل السلوك التطبيقي (ABA): يمكن لبرامج ABA أن تساعد في تعليم مهارات التواصل بشكل منظم وفعال من خلال تجزئة المهارات إلى خطوات صغيرة وتعزيز الاستجابات الصحيحة بشكل إيجابي، يساهم ABA في تعليم الطفل كيفية الطلب، والرفض، والتفاعل مع الآخرين باستخدام نظام التواصل المناسب له.4. إنشاء بيئة تواصل داعمة ومحفزة: البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورًا حاسمًا في تشجيعه على التواصل.5. توفير فرص تواصل طبيعية: دمج استخدام نظام التواصل في الروتين اليومي للطفل، على سبيل المثال، عند تناول الطعام، يمكن استخدام الصور لطلب الطعام أو الشراب، عند اللعب، يمكن استخدام الصور للتعليق على الألعاب أو طلب المساعدة.6. الصبر والتكرار والمحاولة والتدرج: يتطلب تعلم أي لغة جديدة، بما في ذلك أنظمة الـ AAC، الكثير من الصبر والتكرار والممارسة المتسقة من جميع الأشخاص المحيطين بالطفل.7. تمكين وتدريب الأسرة والمحيطين بالطفل: الأسرة هي الشريك الأساسي في رحلة تواصل الطفل.8. النمذجة (Modeling): يجب على البالغين نمذجة استخدام نظام التواصل الخاص بالطفل، على سبيل المثال، إذا كان الطفل يستخدم لوحة صور لطلب العصير، يمكن للشخص البالغ أن يشير إلى صورة العصير على اللوحة وهو يقول «أنا أريد عصيراً».
وبين مدبولي أن التواصل يسهم في حل معظم المشاكل التي يواجهها الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد، حيث إن تمكين الطفل غير المتكلم من ذوي اضطراب طيف التوحد من امتلاك وسيلة فعالة للتواصل يفتح له أبواباً عديدة، ويساهم في التغلب على العديد من التحديات التي قد يواجهها:1. تقليل الإحباط وتحسين السلوك: عدم القدرة على التعبير عن الاحتياجات الأساسية، الرغبات، المشاعر، أو حتى الألم والضيق هو مصدر إحباط كبير للأطفال، هذا الإحباط غالباً ما يؤدي إلى سلوكيات صعبة مثل نوبات الغضب، أو العدوانية، أو إيذاء الذات كوسيلة للتعبير عن الضيق، عندما يمتلك الطفل وسيلة للتواصل، يمكنه التعبير عن هذه الأمور بشكل أكثر ملاءمة، مما يقلل بشكل كبير من السلوكيات السلبية ويحسن السلوك العام.2. تعزيز الفهم المتبادل وتحسين العلاقات: التواصل هو أساس بناء العلاقات، عندما يتمكن الطفل من التعبير عن نفسه ويفهم الآخرين، تتحسن تفاعلاته مع أفراد أسرته، وأقرانه، ومعلميه، وغيرهم، هذا الفهم المتبادل يقلل من سوء الفهم ويعزز الروابط الاجتماعية.3. زيادة الاستقلالية والمشاركة: القدرة على طلب ما يحتاجه الطفل، أو التعبير عن اختياراته، أو طلب المساعدة عند الحاجة تزيد من استقلاليته في الأنشطة اليومية، يمكنه المشاركة بشكل أكبر في اتخاذ القرارات التي تخصه ويصبح أقل اعتماداً على الآخرين في تلبية احتياجاته.4. التعبير عن المشاعر والاحتياجات المعقدة: مع تطور مهارات التواصل، يمكن للطفل أن ينتقل من التعبير عن الاحتياجات الأساسية إلى التعبير عن الأفكار والمشاعر الأكثر تعقيداً، هذا يساعده على فهم وتنظيم عواطفه بشكل أفضل، ويسمح للآخرين بفهم عالمه الداخلي.5. توسيع فرص التعلم والتطور: التواصل هو وسيلة أساسية للتعلم، عندما يتمكن الطفل من طرح الأسئلة، والتعليق على ما يتعلمه، والتفاعل مع المواد التعليمية من خلال التواصل، تتوسع فرص تعلمه وتطوره المعرفي.6. الشعور بالتمكين والثقة بالنفس: عندما ينجح الطفل في استخدام التواصل لتحقيق هدف أو التعبير عن فكرة، فإنه يشعر بالتمكين والثقة في قدراته، هذا الشعور الإيجابي يحفزه على مواصلة محاولات التواصل وتطوير مهاراته بشكل أكبر.في الختام، إن التركيز على دعم التواصل لدى الأطفال غير المتكلمين من ذوي التوحد ليس مجرد هدف علاجي، بل هو حق أساسي لهم في التعبير عن وجودهم والتفاعل مع العالم، من خلال الصبر، والتفهم، وتوفير الأدوات والاستراتيجيات المناسبة، والمشاركة الفعالة من الأسرة والمحيطين بهم، يمكننا أن نفتح آفاقاً واسعة لهؤلاء الأطفال ليشاركوا في الحياة بشكل كامل ومثمر، بإذن الله، إن كل محاولة تواصل، مهما كانت صغيرة، هي خطوة عظيمة نحو تمكينهم وتحسين نوعية حياتهم بشكل جذري.