شراكة تاريخية راسخة تتجدد بين المنامة وروما مكناس: البحرين وإيطاليا نموذج للتعاون البنّاء في الاقتصاد والثقافة والاستثمار

محرر الشؤون الاقتصادية
أكد رئيس مجلس إدارة جمعية الصداقة البحرينية الإيطالية أكرم مكناس أن مملكة البحرين وجمهورية إيطاليا ترتبطان بعلاقات تاريخية متينة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون البنّاء في مختلف المجالات، حيث بدأت هذه الروابط منذ عقود طويلة، حين انفتحت البحرين على أوروبا لتعزيز حضورها الاقتصادي والدبلوماسي، وكانت إيطاليا من أوائل الدول الأوروبية التي أسست قاعدة علاقات راسخة مع المملكة.
وأضاف أن هذا التعاون يستند إلى قواسم مشتركة في الرؤية تجاه الانفتاح الثقافي، وتبادل الخبرات، وتعزيز قيم السلام والتنمية المستدامة، وقد ساعدت اللقاءات الرسمية المتكررة والزيارات رفيعة المستوى بين قيادتي البلدين على ترسيخ هذه الجذور وتعميقها، الأمر الذي جعل من العلاقة البحرينية الإيطالية نموذجاً يحتذى به في الشراكات الدولية القائمة على المصالح المتبادلة والانفتاح الحضاري.
وأوضح مكناس أن البحرين اليوم موطن لأكثر من 60 مؤسسة تجارية إيطالية في مختلف القطاعات، باعتبار إيطاليا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للبحرين في منطقة البحرين الأبيض المتوسط، مشيراً إلى أن إيطاليا تنظر للسوق البحريني كسوق مهم للشركات الاستراتيجية في منطقة الخليج، مستفيدةً من البيئة الاستثمارية المرنة التي توفرها المملكة وموقعها الاستراتيجي كبوابة للأسواق الإقليمية، وفي المقابل تنظر البحرين إلى إيطاليا بوصفها شريكاً رئيسياً يملك خبرة واسعة في مجالات الابتكار والصناعة، ما يعزز فرص إقامة مشروعات مشتركة ونقل المعرفة.
ولفت مكناس إلى أن النمو المستمر في التبادل التجاري بين البلدين لا يعكس فقط عمق العلاقات الاقتصادية، بل أيضاً حرص البلدين على تطوير شراكة طويلة الأمد تعود بالنفع على شعبيهما، وتسهم في تنويع مصادر الاقتصاد، حيث تتمتع البحرين وإيطاليا بعلاقات دبلوماسية وتجارية قوية لأكثر من نصف قرن تركزت على التعاون في مجالات متعددة مثل الاقتصاد والثقافة والسياحة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 2.443 مليار دولار خلال الفترة من 2020 إلى 2024.
وعلى صعيدٍ متصل، أشار مكناس إلى أن التجارة بين البحرين وإيطاليا تتنوع بشكل كبير، حيث تصدر إيطاليا للبحرين مجموعة واسعة من السلع بما فيها الآلات الصناعية والمعدات الكهربائية والسيارات والمواد الكيماوية، فيما تصدر البحرين لإيطاليا المنتجات النفطية والألمنيوم والمشغولات المعدنية.
وأضاف أن توقيع الوكالة الإيطالية للتجارة «ICE» اتفاقية مع مجلس التنمية الاقتصادية أدى بصورة ملحوظة إلى زيادة كبيرة في التبادل التجاري والاستثمارات المباشرة، إذ سجلت واردات البحرين من إيطاليا في النصف الأول من العام 2024 زيادة من 205 ملايين يورو إلى 230 مليون يورو منذ توقيع الاتفاقية بحصة سوقية بلغت 22.4% خلال النصف الأول من العام، كما شهدت الصادرات الإيطالية إلى البحرين زيادة بنسبة 14.6% بينما نمت الواردات بنسبة 17.8% مع زيادة إجمالية في التجارة بلغت 15.9%.
وقال مكناس: «عدد أبناء الجالية الإيطالية المقيمين في البحرين حالياً يقدّر بنحو 750 مواطناً إيطالياً، يشغلون مختلف الوظائف في شتى القطاعات، ويسهمون في نهضة البلاد، وهم يشكّلون نموذجاً حياً للاندماج في المجتمع والتعايش الثقافي والاجتماعي بين الشعوب، فقد اندمج أفراد هذه الجالية في النسيج المجتمعي البحريني بانفتاح وتقدير متبادل، وأسهموا في تعزيز أواصر الصداقة عبر مجالات متعددة تشمل الأعمال، والتعليم، والفنون، والطهي، والأنشطة الاجتماعية، كما ينعكس حضورهم في إثراء المشهد الثقافي البحريني من خلال الفعاليات المشتركة والمعارض والمبادرات التي تجمع بين التراث الإيطالي الغني والطابع البحريني الأصيل، ويُنظر إلى هذه الجالية باعتبارها جسراً إنسانياً وحضارياً يعزز التواصل المباشر بين الشعبين، ويمهّد لتوسيع التعاون في المجالات الاقتصادية والسياحية والاستثمارية، مما يجعل وجودهم في المملكة عنصراً فاعلاً في ترسيخ العلاقات وإقامة المزيد من المشاريع المشتركة التي تعود بالنفع على الطرفين».
ونوّه بلقاء وزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة مع وزير الاقتصاد والمالية في الجمهورية الإيطالية جيانكارلو جيورجيتي في مطلع العام الجاري، في إطار ترؤسه لوفد مملكة البحرين الذي زار الجمهورية الإيطالية الصديقة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، مؤكداً أهمية هذه الزيارات في تعزيز مسار العلاقات الثنائية المتميزة والشراكات الإستراتيجية التي تجمع بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية الصديقة، وتنمية آفاق التعاون والعمل المشترك في مختلف المجالات بما يسهم في تحقيق الأهداف والتطلعات المشتركة.
وأكد أن إيطاليا تعد من أكبر اقتصادات منطقة اليورو، حيث توفر بيئة استثمارية مربحة؛ مما يجعلها وجهة جاذبة للاستثمارات الخارجية، وأضاف: «تتميز إيطاليا باتفاقيات إستراتيجية طويلة الأمد مع مؤسسات استثمارية خليجية بشكل خاص، مثل الاتفاقية المبرمة مع شركة قطر للطاقة لتوريد الغاز الطبيعي المسال لمدة 27 عاماً، كما وقعت الرياض وروما هذا العام اتفاقيات تعاون بقيمة 10 مليارات دولار شملت قطاعات البنية التحتية والطاقة والترفيه، والإمارات أيضاً عرضت في ميلانو 53 مشروعاً استثمارياً خاصاً بإيطاليا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا الخضراء، والكويت دخلت في شراكة استثمارية بقيمة 2.2 مليار يورو، وحققت سلطنة عمان عوائد تفوق 50% من استثماراتها في الأصول الإيطالية، وهو مؤشر على التوجه الخليجي بشكل عام نحو الاستثمار الطويل الأمد في إيطاليا».
وأوضح مكناس أن إيطاليا تحظى بشعبية متزايدة بين المستثمرين البحرينيين بفضل موقعها الاستراتيجي القريب من العالم العربي، وجودة بنيتها التحتية، وقطاعها العقاري القوي، وعلامتها التجارية العالمية المتميزة «صنع في إيطاليا»، التي تشمل مجالات الزراعة والتغذية، وصناعة السيارات، والرياضة والموضة، وخاصةً في الصناعات الخفيفة التي يشتهر بها الإيطاليون.
وقال مكناس: «أزور إيطاليا بانتظام منذ نحو 40 عاماً بشكل سنوي، حتى صارت هذه الزيارات فرصة ثمينة لمعايشة ملامح النهضة التي يشهدها هذا البلد الأوروبي العريق، كما أستمتع بمعايشة آثاره العريقة التي تبدو واضحة حتى في القرى الصغيرة، وفي علاقاتها الاجتماعية، كما أتابع التجربة الإيطالية الثرية في مجال تطوير القطاعات الصناعية والسياحية والخدمية، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، فإيطاليا لا تقتصر شهرتها على فنون الطعام والموضة وكرة القدم فحسب، بل تمتد لتشمل السياحة المتنوعة، وتقنية المعلومات، والابتكار الصناعي، وهو ما يجعلها بلداً متكاملاً في توازنها بين العراقة والتجديد».
وبيّن أن جمعية الصداقة البحرينية الإيطالية تسعى إلى الدفع نحو إعادة فتح الخط المباشر للرحلات الجوية المباشرة بين المنامة وروما، لما لذلك من أثر كبير في تنشيط حركة التجارة وتطوير قطاع السياحة بين الجانبين، لا سيما وأن إيطاليا تعد واحدة من أبرز الوجهات السياحية المفضلة لدى المواطنين البحرينيين، في حين تواصل الجمعية إبراز ما تمتلكه البحرين من مقومات جاذبة للمستثمرين من مزايا تنافسية وفرص واعدة في مجالات الخدمات المالية والصناعات والتكنولوجيا، إضافةً إلى قطاعات السياحة والضيافة وغيرها من المجالات الحيوية.
وقال مكناس: «في فبراير من العام 2018، تشرفت باختياري رئيساً لمجلس إدارة هذه الجمعية، وإدراكي لحجم الفرص والمكاسب التي يمكن أن تحققها كل من البحرين وإيطاليا مع تعزيز التعاون بينهما على جميع المستويات دفعني للعمل بجد، فنحن في جمعية الصداقة الإيطالية البحرينية نجتمع على محبة الآخر، ونؤمن بأهمية التقارب الثقافي والعلمي والمعرفي والاقتصادي، وقد انضم للجمعية الكثير من الإيطاليين المقيمين في البحرين، وخصصنا جزءاً كبيراً من جهدنا لنشر تعليم اللغة الإيطالية في البحرين، بالإضافة إلى تعريف الإيطاليين باللغة العربية، كما نظمنا عدة فعاليات مشتركة في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والتجارية».
وثمّن مكناس جهود سفير جمهورية إيطاليا لدى مملكة البحرين أندريا كاتالانو في دعم الجمعية ضمن إطار مساعيه الدائمة لتعزيز العلاقات بين بلاده والبحرين، كما أشاد بالجهود الدؤوبة للسفير البحريني لدى روما أسامة العبسي، الذي لا يدخر جهداً في توطيد أواصر الصداقة والتعاون مع المؤسسات الرسمية والخاصة في إيطاليا، وفتح آفاق جديدة للتبادل الثقافي والاقتصادي والاستثماري بين البلدين، مشيراً إلى أن هذه الجهود المتكاملة أسهمت في إرساء قاعدة صلبة من التفاهم المتبادل، وعززت من حضور البحرين وإيطاليا كشريكين استراتيجيين في مختلف المجالات.
يُذكر أن جمعية الصداقة البحرينية الإيطالية تأسست في العام 2006 على يد عدد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال الإيطاليين والبحرينيين، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى أن تكون مرجعا ونقطة التقاء لمواطني مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية المهتمين بالمجالات الثقافية والاجتماعية والسياحة والسفر والتعليم والعلوم والرياضة والأعمال الخيرية.