اخبار عربية ودولية

جهود بارزة لولي العهد رئيس الوزراء في دعم العلاقات البحرينية الإيطالية



حسن الستري

تشكل العلاقات البحرينية – الإيطالية نموذجاً متميزاً في مسار العلاقات الثنائية بين مملكة البحرين والدول الأوروبية، إذ تتسم هذه العلاقات بالثبات والتطور المتدرج، مستندة إلى قاعدة صلبة من التفاهم والاحترام المتبادل.

وقد كان لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، دور بارز في صياغة هذه العلاقات، حيث عمل على تحويلها من مجرد تواصل دبلوماسي تقليدي إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والسياسة، فضلاً عن التعاون في دعم الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

في أغسطس 2009، وضع سمو ولي العهد الأسس الواضحة لمسار التعاون مع الجمهورية الإيطالية. فقد أكد خلال استقباله السفير الإيطالي آنذاك إنريكو بادولا، أن نقل المهارات التكنولوجية والخبرة الصناعية الإيطالية إلى البحرين يمثل أولوية مشتركة، إلى جانب الدفع بالعلاقات الاقتصادية والثقافية. هذه الرؤية المبكرة كشفت عن وعي سموه بأهمية استثمار التجربة الإيطالية المتقدمة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا، وربطها بمشاريع التنمية الوطنية الطموحة في البحرين.

كما دعا سموه في ذلك اللقاء إيطاليا والاتحاد الأوروبي إلى استثمار علاقاتهما في الشرق الأوسط من أجل تعزيز الاستقرار والتنمية، وقد شكل ذلك مؤشراً على أن مقاربة سموه للعلاقات البحرينية – الإيطالية تتجاوز الجانب الثنائي لتأخذ بعداً إقليمياً ودولياً.

على مدار السنوات اللاحقة، واصل سمو ولي العهد دفع هذه العلاقة إلى مستويات متقدمة. ففي مايو 2017، أشاد سموه بدور إيطاليا في دعم القضايا الإقليمية وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، مؤكداً أهمية استثمار الزيارات المتبادلة بين البلدين في توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري. وقد جاءت هذه التصريحات في توقيت كانت فيه البحرين تعزز موقعها كمركز إقليمي للاستثمارات والتجارة، فيما كانت إيطاليا تبحث عن أسواق جديدة لتقنياتها وخبراتها الصناعية.

وشهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية في نوفمبر 2022، حين التقى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، على هامش مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ. وقد أكد سموه آنذاك على ما تشهده الشراكة البحرينية – الإيطالية من نمو متسارع في مختلف المجالات، مشدداً على أهمية مواصلة العمل لتعزيزها بما يحقق تطلعات البلدين.

وفي أكتوبر 2024، استقبل سموه رسالة خطية من رئيسة الوزراء الإيطالية، جددت التأكيد على عمق العلاقات والحرص المشترك على الارتقاء بها. وقد ناقش الطرفان خلال اللقاء المستجدات الإقليمية والدولية، ما يعكس طبيعة الحوار الاستراتيجي القائم بين المنامة وروما، والذي يتناول القضايا ذات الاهتمام المشترك من منظور التعاون والتفاهم.

وبلغت العلاقات البحرينية – الإيطالية إحدى ذُراها في يناير 2025 مع الزيارة الرسمية التي قامت بها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى المنامة، حيث استقبلها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في قصر القضيبية بحضور كبار المسؤولين البحرينيين. وقد شكلت هذه الزيارة تتويجاً لمسار طويل من التنسيق المشترك، حيث أكد سموه أن علاقات البلدين تتميز بتاريخ ممتد من التعاون والتفاهم، وأن البحرين حريصة على البناء على ما تحقق من شراكات استراتيجية، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

كما أبرز سموه في هذا اللقاء دور البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في نشر قيم السلام والتسامح والتعايش، مشيراً إلى أهمية الدور الذي تلعبه إيطاليا على الصعيد الدولي في تعزيز الأمن والسلام. هذه الرؤية عكست تقاطعاً في المصالح بين المنامة وروما، حيث تسعى البحرين إلى أن تكون جسراً للحوار بين الحضارات، فيما تعمل إيطاليا كقوة أوروبية داعمة للاستقرار الدولي.

من خلال تتبع مسار هذه العلاقات، يمكن استخلاص عدد من المرتكزات التي عمل سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على ترسيخها:

1. البعد الاقتصادي والتجاري: جعل الاقتصاد في مقدمة أولويات التعاون، مع التركيز على جذب الاستثمارات الإيطالية إلى البحرين، والاستفادة من خبرات إيطاليا في الصناعة والتكنولوجيا.

2. التعاون الثقافي والحضاري: دعم المبادرات الثقافية والفنية التي عززت التلاقي بين الشعبين، بما يتماشى مع نهج البحرين في الانفتاح والتعايش.

3. التنسيق السياسي والأمني: إيلاء أهمية مشتركة للقضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً تلك المتعلقة بالأمن والسلام في الشرق الأوسط والعالم.

4. الدبلوماسية المرنة: اعتماد سموه على الدبلوماسية المباشرة عبر اللقاءات رفيعة المستوى والزيارات المتبادلة، ما أرسى جسور ثقة متينة مع القيادة الإيطالية.

5. رؤية مستقبلية مشتركة: الاستفادة من الفرص التي تتيحها التحولات العالمية، ولا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.

وأثمرت هذه الجهود عن توسيع قاعدة التعاون لتشمل مجالات غير تقليدية، مثل الطاقة النظيفة، والتكنولوجيا الرقمية، والتعليم والتدريب، فضلاً عن التعاون في دعم مبادرات التعايش والسلام. وقد أسهمت هذه العلاقات في تعزيز مكانة البحرين كدولة منفتحة على الشراكات الأوروبية، فيما استفادت إيطاليا من موقع المملكة كبوابة إلى أسواق مجلس التعاون الخليجي.

إن استعراض جهود سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في دعم مسيرة العلاقات البحرينية – الإيطالية، يظهر بوضوح أن هذه العلاقة تجاوزت الطابع البروتوكولي لتصبح شراكة استراتيجية متكاملة. فمنذ العام 2009 وحتى العام 2025، عمل سموه على بناء أسس متينة للتعاون في مختلف المجالات، واضعاً نصب عينيه تحقيق التنمية المشتركة، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

لقد أصبحت إيطاليا اليوم شريكاً رئيسياً للبحرين في أوروبا، بفضل رؤية سموه القائمة على التوازن والاحترام المتبادل والانفتاح على فرص التعاون. وهي رؤية تؤكد أن العلاقات الدولية الناجحة لا تبنى على المصالح الآنية فقط، بل على استثمار التاريخ المشترك واستشراف المستقبل برؤية استراتيجية شاملة.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى