تدشين كتاب (الوجبات الخفيفة) في أمسية جمعت الفكر والفن والتربية وسط حضور نوعي

شهدت البحرين أمس تدشين كتاب الوجبات الخفيفة (The Snacks Portfolio) الذي أصدرته د.منى الروبي في حفل تحول إلى ما يشبه التظاهرة الأكاديمية والفكرية والعلمية والاجتماعية، حيث اجتمع نخبة من الباحثين والخبراء والفنانين التشكيليين والإعلاميين وأولياء أمور وطلاب، في أمسية حملت أبعادًا إنسانية وثقافية غنية، وقد قدّم الفعالية الأستاذ عيسى هجرس، الذي أدار الأمسية بروح مميزة جمعت بين المهنية والحس الثقافي، مما أضفى على الحفل تنظيمًا سلسًا ودفئًا إنسانيًا انعكس على جميع الحضور.
مع بداية الحفل وقبل أن تستهل عرضها بكلمات مقتضبة لكنها عميقة الأثر (أعطوني طفلاً وفنًا..أعيد إليكم قلبًا أكثر حكمة)، طرحت سؤالًا جوهريًا شكّل المدخل إلى فلسفة كتابها” ماذا لو استطاع الأطفال أن يكتشفوا من هم حقًا وهم يحتفلون بالعالم من حولهم؟” هذا السؤال لم يكن مجرد عبارة إنشائية، بل كان دعوة مفتوحة للتأمل في جدوى التعليم التقليدي، وضرورة أن يتحول التعليم إلى تجربة حياتية نابضة تمتزج فيها المعرفة بالمتعة والفن بالخيال.
الكتاب كما أوضحت الروبي، هو مشروع تربوي متكامل صُمم ليكون جسرًا بين الطفل وذاته أولًا، ثم بينه وبين مجتمعه، ففي كل صفحة يجد الطفل نشاطًا فنيًا يدعوه إلى التفكير والاكتشاف، ويحفّزه على طرح الأسئلة الكبرى: كيف يبدو الشيء؟ كيف يعمل؟ لماذا هو على ما هو عليه؟ كيف يتغير؟ وكيف يرتبط بما حوله؟ وما هي مسؤوليتنا تجاهه؟ هذه الأسئلة تعكس رؤية المؤلفة للتعليم كمنظومة حية، لا تقتصر على التلقين وإنما تدفع الطفل للتفكير النقدي والربط بين الظواهر.
الفعالية تحولت إلى مساحة للنقاش المفتوح، فقدّم عدد من الخُبراء والباحثين مداخلات نوعية تميزت بروح المسؤولية، حيث شددوا على أهمية إدماج الفن والإبداع ضمن المنظومة التعليمية، معتبرين أن كتاب (الوجبات الخفيفة) يشكل نموذجًا يمكن البناء عليه لتطوير سياسات تعليمية حديثة. بعض المداخلات ذهبت أبعد من ذلك، فدعت إلى أن يكون مثل هذا المشروع جزءًا من المناهج الدراسية الرسمية، مؤكدين أن التعليم في عالمنا العربي يحتاج إلى قفزة نوعية تضع الإبداع في صلب العملية التعليمية.
وكان من الجديد في هذا الحفل بروز المصطلح الجديد في البحرين والمنطقة الذي يُعرف بالاقتصاد البرتقالي (الاقتصاد الإبداعي)، الذي وصفته الروبي بأنه من أسرع القطاعات نموًا في العالم، إذ يسهم بنحو 3% من الناتج العالمي. وأكدت أن الكتاب يضع الأطفال في قلب هذا الاقتصاد الجديد، حيث يتعلمون كيف يحوّلون الخيال إلى فرص، وكيف يتحول الإبداع إلى ثروة. هذه الرؤية لاقت صدى كبيرًا لدى الحضور، الذين رأوا أن مثل هذه المبادرات لا تقتصر فائدتها على الأطفال، بل تمتد إلى المجتمع بأسره عبر بناء جيل أكثر وعيًا وانفتاحًا وشمولية.
ومن بين الحضور، قدّم فنانون تشكيليون رؤيتهم الخاصة حول العلاقة بين الفن والتعليم، مؤكدين أن الفن ليس مجرد مهارة جمالية، بل هو أداة لبناء الهوية وتحفيز الخيال. الإعلاميون بدورهم أكدوا أن نشر مثل هذه المشاريع من شأنه أن يسهم في إعادة الاعتبار لدور الثقافة والإبداع في مواجهة تحديات العصر.
في ختام الحفل وقفت الدكتورة منى الروبي وسط القاعة وقد بدا التأثر واضحًا على ملامحها، لتعبّر عن شكرها للحضور والمشاركة الفاعلة في الحفل وقالت “إن تدشين الكتاب هو انطلاقة لمشروع حياتي يسعى إلى إعداد جيل قادر على اكتشاف ذاته والمساهمة الفاعلة في خدمة وطنه”، مؤكدة أن شعار المشروع يلخص فلسفته” خذ لقمة من رحلة اكتشاف الذات اليوم!”