اخبار عربية ودولية

باعة «سوق المقاصيص» يُناشدون: نريد موقعاً ثابتاً لمصدر رزقنا الوحيد



سماهر سيف اليزل

مرتادو السوق: «المقاصيص» تاريخ ومزار

فرج: تقدمت بطلب تخصيص أرض 7 مرات

في قلب معاناة لا صوت لها، وتحت شمس حارقة تلفح الوجوه منذ ساعات الصباح الأولى، يقف العشرات من باعة سوق المقاصيص في مشهد يعكس قسوة الواقع وضيق الحال، بعد أن ضاقت بهم الساحات والمواقف، وافترشوا الأرصفة على جوانب الطرق، لعل رزقاً يطرق أبوابهم من مارٍّ يبحث عن قطعة غريبة، أو غرض مستعمل بثمن زهيد.

وأمام هذا الوضع، تصاعدت مطالبات باعة السوق بإيجاد حل جذري لمعاناتهم المستمرة منذ إغلاق السوق قبل سنوات، مؤكدين حاجتهم المُلِحّة إلى موقع ثابت يمارسون فيه مهنتهم التي تُعد مصدر رزقهم الوحيد، حيث يعانون من ظروف قاسية نتيجة تواجدهم على جوانب الطرقات، دون حماية من حرارة الشمس أو سوء الأحوال الجوية، وهو ما يشكل خطراً على سلامتهم وسلامة الزبائن.

«الوطن» رصدت في زيارتها الميدانية للموقع الذي لجأ إليه الباعة مؤخراً، توافد المواطنين والمقيمين إلى «سوق المقاصيص» رغم حرارة الجو وضيق المساحة للشراء والتبضع، متنقلين بين الرصيفين باحثين عن حوائجهم.

من الأرصفة إلى الشارع العام.. معاناة عمرها سنوات

يعاني باعة سوق المقاصيص منذ إغلاق السوق في عام 2019 من أوضاع مأساوية، بعدما كانوا يتمتعون بموقع دائم ومنظم في سوق المسقفة بمدينة عيسى. إلا أن قرارات الإغلاق المتتالية، وخاصة خلال جائحة كورونا، دفعتهم إلى التشرد التجاري، حيث أصبحوا يبيعون في الساحات العامة ومواقف السيارات، حتى وصل الأمر بهم إلى افتراش الشارع العام، وسط ظروف بيئية وإنسانية لا تليق بهم ولا بالمكانة التي يحتلها السوق في الذاكرة البحرينية.

يقول البائع حسن حاجي حسن، الذي أمضى أكثر من 25 عاماً في السوق: «كنا في سوق المنامة، ثم إلى مدينة عيسى، وبعدها إلى سوق المسقفة. منذ 2019 ونحن بلا سوق، نُطرد من مكان إلى آخر، واليوم نبيع على الرصيف بين السيارات والمارة. نطالب فقط بمكان يأوينا وسقف يحمينا».

مصدر رزق يُهدد بالضياع

«ليست المسألة مجرد بضاعة أو طاولة عرض، بل حياة قائمة على هذا السوق».

يقول البائع خالد بو حسن، بصوت يحمل المرارة: «أوقفت تعليم أبنائي الجامعي بسبب توقف دخلي. نحن نعيش على السوق، لا بديل لنا. كل يوم لا نبيع فيه يعني وجبة ناقصة في البيت. هل يُعقل أن نظل هكذا بلا حل؟».

أما عبدالحسين الكويتان، فيرى أن المخاطرة بالحياة أصبحت جزءاً من يومه: «نبيع في مكان غير مؤهل، لكن لا خيار لنا. من غير المعقول أن تستمر هذه المعاناة لأكثر من 4 سنوات دون تحرك جاد من الجهات المعنية».

السوق في ذاكرة الناس.. وجه آخر للمقاصيص

ليس الباعة وحدهم من يعانون، فالزبائن أيضاً فقدوا ملامح السوق الذي ارتبط بذاكرتهم لعقود. يقول أحمد العامر، أحد الزبائن المداومين: «أنا من مرتادي السوق منذ أيامه في المنامة. هنا تجد كل ما لا تجده في المتاجر، بأسعار مناسبة، وبضائع نادرة، من التحف إلى الأدوات الكهربائية».

وتضيف أم محمد، وقد أمسكت بساعتين قديمتين: «سوق المقاصيص ليس فقط سوقاً، بل تاريخاً ومزاراً. نأتي هنا لأجل الأشياء القديمة، والجو العام، ودفء التعامل. الباعة هنا ليسوا تجاراً فقط، بل أهلاً».

الإسراع في التنفيذ وليس مزيداً من الوعود

ويقول العضو البلدي عن الدائرة الثانية في المحافظة الجنوبية مبارك فرج: «الباعة في السوق من كبار السن ومن ذوي الدخل المحدود، ومعظمهم بلا دخل ثابت أو تقاعد. البلدية تبذل جهوداً في التنظيف، لكن المشكلة الأساسية هي غياب موقع دائم لهم».

وأشار فرج إلى أنه تقدم بطلب تخصيص أرض مناسبة لاحتواء السوق سبع مرات، مضيفاً: «نحتاج فقط إلى أرض خارج المناطق السكنية، مظللة، وتحتوي على خدمات أساسية ومواقف سيارات. لقد وصلنا إلى مرحلة تتطلب الإسراع في التنفيذ وليس مزيداً من الوعود».

سوق المقاصيص.. ليس مجرد تجارة

يمثل سوق المقاصيص جزءاً من الثقافة الشعبية في البحرين، ومكاناً يحمل طابعاً إنسانياً واجتماعياً خاصاً. فهو ملتقى لمن يبحث عن النوادر، ومتنفس للمتقاعدين، ومورد رزق لطبقة الكادحين.

حان وقت الحل

يبقى السؤال معلقاً: لماذا لم يُحسم ملف «سوق المقاصيص» بعد؟ ولماذا لا يُعامل باعته كما يُعامل أصحاب المشاريع الكبيرة، رغم أنهم يُسهمون فعلياً في تنشيط السوق الشعبي وتدوير المنتجات، وتقديم حلول اقتصادية للكثير من الأسر؟

إن إقامة موقع دائم ومجهز لهذا السوق لا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، بل إلى قرار جاد ورؤية تعيد الاعتبار لهذه الفئة التي أثبتت صبرها ومرونتها، لكنها لم تعد تقوى على مزيد من الانتظار. باعة السوق يقولونها بصوت واحد: «نريد سقفاً فوق رؤوسنا… ومكاناً نحمي فيه كرامتنا وأرزاقنا».



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى