اخبار عربية ودولية

الغطرسة .. تنتهي بـ“السقوط“! | صحيفة الوطن


في مستهلّ الحرب العالمية الثانية، ظهر أدولف هتلر كقائد لا يُقهر، وبدأ بفرض إرادته على أوروبا بسرعة مذهلة.

اجتاحت قواته بولندا ثم توالت الانتصارات على فرنسا وهولندا وبلجيكا، مستخدمًا تكتيك الحرب الخاطفة الذي أربك خصومه قبل أن يستوعبوا ما يحدث.

بدت الساحة الأوروبية وكأنها رهينة لقرارات رجل واحد يخطط ويُنفذ بمفرده. لكن هذه الصورة لم تصمد طويلًا، فبعد أعوام قليلة، تفكك الحلم النازي، وتهاوى الرايخ الثالث، وكان هتلر نفسه شاهداً على السقوط قبل أن يُنهي حياته بيده.

لم يكن سبب الانهيار قوة الحلفاء فقط، بل أيضًا بسبب غرور هتلر وتجاهله لصوت العقل. كان مقتنعًا أن النصر حتمي، وأن حكمه لا يُرد، مما دفعه لإقصاء مستشاريه العسكريين ورفضه للاستماع إلى من حوله، حتى حين أصبحت الوقائع على الأرض تنذر بكارثة.

من أبرز الأمثلة على ذلك معركة ستالينغراد، حيث أصر على القتال رغم الحصار والبرد القارس، متجاهلًا دعوات الانسحاب. النتيجة كانت مأساة عسكرية مروعة، دفنت وهم التفوق الألماني تحت ثلوج روسيا.

لم تقتصر أخطاؤه على أرض المعارك. قراره بفتح جبهة ضد الاتحاد السوفييتي دون حسم المعركة مع بريطانيا عكس تسرّعًا لا يليق بقائد عسكري. كما أن استهتاره بالقوة الصناعية للولايات المتحدة كشف عن قصر نظر استراتيجي. تحالفه مع موسوليني، الذي كان عبئًا أكثر منه حليفًا، فتح عليه جبهات إضافية لم تكن ضرورية. أما سياساته الوحشية تجاه الشعوب المحتلة، فقد خلقت مقاومة شرسة جعلت من حلم السيطرة عبئًا دائمًا.

هتلر لم يسقط فقط أمام قوة الأعداء، بل تعثر بسبب غروره وسلوكه الفردي في اتخاذ القرارات. لقد أراد أن يتحكم في مجرى التاريخ، فانتهى به الأمر إلى تدمير وطنه وتبديد مستقبل شعبه. وهذه النتيجة لا تعكس مأساة سياسية فقط، بل تقدم درسًا إنسانيًا مهمًا.

النجاح، في أي مجال، قد يبدأ بالثقة بالنفس والطموح، لكنه لا يدوم إلا بالتواضع والقدرة على الإصغاء والنقد الذاتي. القائد الذي يحيط نفسه بالمصفقين فقط، ويظن أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، يحكم على نفسه بالعزلة والانهيار، حتى وإن بقي على كرسيه.

لا بد من الاعتراف أن هتلر لم يكن مجرد ديكتاتورًا خسر الحرب، بل كان نموذجًا لانحدار القيادة حين تستسلم للغرور وتغلق أذنيها عن صوت الحكمة.

النجاح قد يكون ثمرة الجرأة، لكن السقوط دائمًا نتيجة الغطرسة.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى