اخبار عربية ودولية

الغش الذكي في زمن الذكاء الاصطناعي: هل الامتحانات الشفوية هي الحل؟



مع التقدم الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحوّل هذا المجال بسرعة من أداة داعمة للتعليم إلى سلاح ذي حدين. ففي حين يُوظف الذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب على البحث والتعلم وتحفيز التفكير، ظهرت في المقابل ممارسات مقلقة، أبرزها استخدام هذه التقنيات المتقدمة في الغش داخل قاعات الامتحانات.

ولم يعد الغش يقتصر على الوسائل التقليدية كالأوراق الصغيرة أو الإشارات السرية، بل أصبح يعتمد على أدوات أكثر تطوراً، كالسماعات اللاسلكية، والنظارات المزوّدة بكاميرات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأسئلة وتوليد الإجابات في ثوانٍ. بل إن بعض التطبيقات تتيح تصوير السؤال بهاتف ذكي وتحليل محتواه فوراً من خلال أدوات مثل «ChatGPT» أو «DeepSeek» وغيرها، ما يجعل كشف الغش أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

تجربة جامعة ريدينغ البريطانية

في تجربة لافتة، أجرى باحثون من جامعة ريدينغ البريطانية اختباراً عملياً على مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على اجتياز الامتحانات دون أن يُكتشف. أنشأ الفريق 33 هوية طلابية وهمية، وقدموا من خلالها إجابات في امتحان لمادة علم النفس، كُتبت بالكامل باستخدام «ChatGPT-4» دون أي تدخل بشري. وأُرسلت هذه الإجابات إلى المصححين ضمن النظام العادي، دون إبلاغهم بطبيعتها الاصطناعية.

النتائج كانت صادمة: 94% من الإجابات لم تُكتشف على أنها مولدة آلياً، بل حصلت على درجات أعلى من إجابات الطلاب الحقيقيين. وقد أثارت هذه النتائج جدلاً واسعاً، ودعت الجامعة إلى إعادة النظر في أساليب التقييم، والتركيز على المهارات النقدية والتقييمات العملية كوسائل للحد من الغش القائم على الذكاء الاصطناعي.

خطر يهدد جوهر التعليم

القلق لا ينبع فقط من تهديد النزاهة الأكاديمية، بل من الخطر الحقيقي على جوهر العملية التعليمية. فالطالب الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في الغش يحرم نفسه من تنمية مهاراته، ما يهدد بتخريج أجيال تحمل شهادات دون كفاءة حقيقية. والأسوأ من ذلك، ما يخلقه هذا الواقع من إحباط لدى الطلاب المجتهدين، الذين يرون زملاءهم الغشاشين يحققون نتائج أفضل بطرق غير نزيهة. هذه نتائج كارثية، لاشك في ذلك.

الذكاء الاصطناعي: أداة للإبداع لا للخداع

بدلاً من مقاومة الذكاء الاصطناعي، تقترح دراسات تربوية دمجه في العملية التعليمية بشكل أخلاقي وواعٍ، عبر تشجيع الطلاب على استخدامه في البحث والتحليل وصياغة الأفكار، ضمن ضوابط واضحة. فالمشكلة ليست في التقنية نفسها، بل في كيفية توظيفها. إن الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تسهم في تطوير أداء الطالب، لكن بشرط أن تظل تحت سيطرة الإنسان وفهمه، لا أن تتحوّل إلى بديل يفكر ويجيب عنه دون وعي.

الامتحانات الشفوية: حل ذكي في مواجهة الغش الذكي

تُعدّ الامتحانات الشفوية خياراً واعداً في مواجهة تحديات الغش المعاصر، خصوصاً في المقررات المتخصصة وداخل الجامعات. فهي تمكّن الأستاذ من تقييم الفهم الحقيقي للطالب، وقدرته على التحليل والتفكير اللحظي، والتعبير عن أفكاره بلغته الخاصة، بعيداً عن تدخل الأدوات الخارجية. كما يصعب الغش فيها أو الاعتماد على التحضير المسبق غير الفعّال.

حلول مقترحة لمحاربة الغش

إلى جانب الحلول التقنية المعتادة، مثل تنويع نماذج الامتحانات، وتكثيف المراقبة، ومصادرة الأجهزة الذكية، يمكن اعتماد إجراءات أخرى أكثر فاعلية، منها:

– تعزيز الوعي الأخلاقي لدى الطلاب من خلال حملات توعوية مكثفة تؤكد أن «من غشّ فليس منا»، كما ورد في الحديث الشريف.

– فرض عقوبات رادعة، مثل تدوين ملاحظة الغش في شهادة الطالب عند ثبوته، كما حدث في بعض الجامعات الفرنسة هذه السنة، وهي خطوة قد تكون مؤلمة، لكنها فعّالة.

– تخصيص نسبة من التقييم للامتحانات الشفوية، خاصة في التخصّصات التي لا تضم أعداداً كبيرة من الطلاب. وقد تكون هذه النسبة في حدود 30% من الدرجة النهائية لذات المقرر، مما يشجع الطلاب على التحضير الجاد، ويكشف بسهولة من اعتمد على الغش في الجزء الكتابي.

كلمة أخيرة

التحدي كبير، لكنه ليس مستحيلاً. ومع الإدراك السريع لطبيعة هذا التحوّل، وإعادة صياغة أنظمة التقييم، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تحافظ على نزاهة التعليم، وتضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي عبداً مأموراً، لا سيداً متحكماً.

* قسم الرياضيات – جامعة البحرين



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى