اخبار عربية ودولية

الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم: نحو تعليم أكثر ذكاءً وتخصيصاً



مقال د. حبيب عاشور

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مستقبلية، بل أصبح واقعاً ملموساً يطرق أبواب الفصول الدراسية حول العالم، محولاً جوهر العملية التعليمية من نموذج تقليدي موحد إلى نموذج ديناميكي يتسم بالذكاء والتكيف مع كل متعلم على حدة. هذه الثورة التقنية لا تهدف إلى استبدال دور المعلم، بل إلى تعزيزه وتمكينه، وخلق بيئة تعليمية أكثر غنىً وعدالة وفعالية.

في صميم هذه التحولات، يبرز دور الذكاء الاصطناعي في تقديم «التعلم التكيفي والشخصي». حيث لم يعد على جميع الطلاب في الصف الدراسي الواحد متابعة المنهج بنفس السرعة ونمط الشرح. فبفضل الأنظمة الذكية، أصبح بإمكان كل طالب التفاعل مع محتوى تعليمي مُصمم خصيصاً لملاءمة مستواه الفردي.

تقوم هذه المنصات بتحليل أداء الطالب بدقة، فتحدد نقاط القوة وتعززها، وتكشف نقاط الضعف لتقدم عليها تمارين علاجية مستهدفة وشروحاً بديلة، حتى يضمن إتقان المفهوم. هذا النهج يحول الطالب من متلقٍ سلبي إلى شريك فعال في رحلته التعليمية.

ولم تقتصر إسهامات الذكاء الاصطناعي على الطالب فقط، بل امتدت لتمكين المعلم وتخفيف العبء عنه. فقد أصبح بإمكان المعلم اليوم الاعتماد على مساعدين ذكيين لأتمتة المهام الإدارية المتكررة والشاقة، مثل تصحيح الاختبارات الموضوعية وتنظيم الدرجات.

بل وتوجد أنظمة متقدمة قادرة على تحليل إجابات الطلاب النصية في الواجبات وتقديم ملاحظات أولية على الأسلوب والقواعد، مما يحرر وقت المعلم الثمين ليكرسه للجوانب الإبداعية والإنسانية في التدريس، كالتفاعل المباشر مع الطلاب وتنمية مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.

كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً وقائياً استباقياً من خلال «التعلم التنبؤي». فمن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات مثل سجلات الحضور والانصراف، ومعدلات التفاعل في الفصل الافتراضي، وتاريخ الدرجات، يمكن للنظام تحديد الطلاب الذين تظهر مؤشرات على تعثرهم أو خطر تسربهم.

هذه الرؤية القائمة على البيانات تمنح الإدارة والمعلمين فرصة ذهبية للتدخل مبكراً وتقديم الدعم اللازم قبل أن تتفاقم المشكلة.

وعلى صعيد آخر، يساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق شمولية التعليم ووصوله للجميع. فأدوات التعرف على الكلام تحول المحاضرات الصفية إلى نصوص مكتوبة حية للطلاب الصم أو ضعاف السمع.

بينما تقوم أدوات تحويل النص إلى كلام بقراءة المواد التعليمية للمكفوفين. كما تساعد التطبيقات الذكية في تقديم محتوى بأنماط مختلفة تناسب أنماط التعلم المتباينة (بصرية، سمعية، حركية)، مما يضمن بيئة تعليمية دامجة لكل الطلاب بغض النظر عن فروقهم وقدراتهم.

ورغم هذه الإمكانات الواعدة، فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم لا يخلو من تحديات جادة. فتأمين البيانات الشخصية للطلاب وخصوصيتها يعد هاجساً رئيسياً، إلى جانب التكلفة المالية والبنية التحتية المطلوبة التي قد تعيق المؤسسات محدودة الموارد. كما أن خطر الاعتماد المفرط على الآلة قد يطمس الحدود بين الآلة كأداة مساعدة والمعلم كمرشد وخبير.

والأهم من ذلك، هو خطر تحيز الخوارزميات إذا تم تغذيتها ببيانات غير متنوعة، مما قد يؤدي إلى نتائج غير عادلة.

في الختام، يمثل الذكاء الاصطناعي صفحة جديدة في كتاب التربية الحديثة، صفحة يكون محورها الطالب بخصائصه الفردية، والمعلم بصفة ميسر ومرشد. النجاح في هذه الرحلة يتطلب تبني هذه التقنيات بحكمة ومسؤولية، مع وضع اعتبارات الأخلاق والعدالة نصب الأعين، لضمان أن تكون هذه الثورة التقنية في خدمة الإنسان، وتعمل على بناء مستقبل تعليمي أكثر إشراقاً للجميع.

* الأستاذ المشارك في جامعة البحرين



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى