اخبار عربية ودولية

البحرين والسعودية.. شراكة الأجداد ورؤية الأحفاد



تُعد العلاقات البحرينية السعودية نموذجاً متميزاً للتكامل الخليجي، إذ تجمع بين البلدين روابط تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية ضاربة في الجذور. فمنذ عهد الدولة السعودية الأولى، وُضعت أسس هذه العلاقة على مبدأ المصالح المشتركة، والحرص على وحدة الصف الخليجي والعربي، ممّا جعلها ركيزة للاستقرار في المنطقة.

الزيارات والروابط التاريخية تميّزت العلاقات البحرينية السعودية منذ نشأتها ببعد إنساني وعائلي عميق، فقد كان الملك عبدالعزيز يخاطب الشيخ عيسى بن علي بلقب «الوالد»، في دلالة على المودة والاحترام المتبادل، كما عكست المراسلات بينهما ثقة راسخة جعلت الملك المؤسس يستشيره في قضايا المنطقة، فيما أكد الشيخ عيسى مكانة آل سعود الخاصة لدى آل خليفة. وقد كانت أول زيارة رسمية للملك عبدالعزيز إلى البحرين عام 1930 حيث لقي حفاوة كبيرة من الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، لتتوالى بعدها اللقاءات المتبادلة التي جسّدت متانة الروابط بين البلدين. ومن أبرزها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مملكة البحرين في ديسمبر 2016، وزيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2021، تزامن ذلك مع زيارات متتابعة قام بها ملك مملكة البحرين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد إلى المملكة العربية السعودية. هذه اللقاءات المتكررة بين القيادتين عززت الطابع الأخوي للعلاقة بين الأسرتين الحاكمتين، وأبرزت عمق الروابط الشعبية التي تجمع الشعبين الشقيقين، خاصة بحكم الجوار الجغرافي والصلات الأسرية الممتدة بين المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين.

– التعاون الأمني والسياسي: تمثّل العلاقات بين المنامة والرياض ضمانة أساسية للأمن القومي الخليجي والعربي. فقد تطابقت مواقفهما في مواجهة التحديات الإقليمية، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، والتصدي للتدخلات الخارجية. كما شاركت السعودية بقوات درع الجزيرة في ضبط الأمن والاستقرار في مملكة البحرين عام 2011، في خطوة تؤكد التلاحم الأخوي والدفاع المشترك. كذلك، شكّل تعاون البلدين في الملف اليمني، ودعمهما للحكومة الشرعية، مثالاً آخر على وحدة الموقف وغيرها من المواقف الكثيرة.

– التكامل الاقتصادي والتجاري: شهدت العلاقات الاقتصادية بين السعودية والبحرين تطوراً متدرجاً منذ أوائل القرن العشرين، بدءًا من اتفاق 1935م لتخفيف ضرائب الترانزيت، مروراً بدخول مرحلة النفط بعد اكتشافه في البحرين عام 1932 والسعودية عام 1938، وما تبعه من تعاون بارز كتكرير النفط السعودي في مصفاة البحرين ومد خط أنابيب بحري عام 1945م. هذا التعاون انعكس على المجتمع بزيادة حركة العمالة والخبرات بين البلدين، ورسّخ شراكة استراتيجية متينة. اليوم تُعد السعودية الشريك التجاري الأول للبحرين بحجم تبادل تجاري بلغ 3.9 مليارات دولار عام 2023، واستثمارات سعودية تفوق 13 مليار ريال، فيما شكّل افتتاح جسر الملك فهد عام 1986 نقلة نوعية بتسهيل انتقال الأفراد والبضائع وتعزيز السياحة المتبادلة. وتعزز هذا المسار مع إنشاء مجلس التنسيق السعودي البحريني عام 2019 الذي أطلق مبادرات اقتصادية وتنموية كبرى، كما امتد التعاون ليشمل مجالات الطاقة والتعليم والسياحة، حيث دشّن البلدان خط أنابيب نفطي جديد عام 2018 يربط معامل بقيق بمصفاة بابكو. أما المستقبل فيحمل فرصًا واعدة بفضل مشروع «جسر الملك حمد» وشبكة السكك الحديدية، التي ستعزز حركة الأفراد والتجارة وتفتح آفاقًا جديدة للتكامل الخليجي.

ختاماً إنّ العلاقات البحرينية السعودية، بما تحمله من عمق تاريخي وتوافق سياسي وروابط اجتماعية واقتصادية، تمثل نموذجاً فريداً للوحدة الخليجية. فهي علاقة تتجدد باستمرار، وتستند إلى إرادة قيادتي البلدين في تعزيز التعاون، وإلى وعي شعبي يؤمن بالمصير المشترك. لذا فهي ليست مجرد علاقة دبلوماسية عابرة، بل شراكة استراتيجية ممتدة، تؤكد يوماً بعد يوم أنها كيان واحد يرتبط كما الروح بالجسد.

* باحثة في التاريخ وأكاديمية



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى